المصدر: موقع الطاقة
تقف مُعضلة صيانة السيارات الكهربائية، نتيجة نقص الفنيين المتخصصين المؤهلين للتعامل مع تلك المركبات صديقة البيئة؛ حجر عثرة في جهود الحكومات الرامية لكهربة أساطيل النقل، وتقويض الآثار الإيجابية لتلك الجهود على المناخ والبيئة.
ولطالما هاجم الخبراء -على رأسهم مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي- السياسات التي يتبناها القائمون على صناعة تلك المركبات، قائلين إن ما يهمهم في المقام الأول هو التربح، وليس الأهداف المناخية.
وفي ضوء هذا السيناريو يُهدد النقص العالمي في أعداد الفنيين والورشات المستقلة المؤهلة لصيانة السيارات الكهربائية، بزيادة تكاليف الصيانة والضمان بالنسبة إلى قائدي تلك المركبات، ما يخاطر بالوفاء بالمهل الزمنية المقبلة لخفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن المركبات.
ومن ميلان مرورًا بملبورن إلى ماليبو، تقول شركات تدريب الفنيين ومقدمي شهادات الضمان، وعمال الصيانة، إن ورشات إصلاح السيارات المستقلة ستكون مهمة جدًا في خفض أسعار السيارات الكهربائية؛ لأنها أرخص بكثير من التوكيلات.
الموت صعقًا بالكهرباء
يرفض العديد من أصحاب ورشات الصيانة تدريب الفنيين، أو حتى دفع تكاليف المعدات الخاصة بإصلاح السيارات الكهربائية عالية الجهد -تتراوح من 400 إلى 800 فولت- التي من الممكن أن تقتل الفنيين غير المدربين صعقًا بالكهرباء، في ثوانٍ معدودة، لا سيما مع انخفاض أعداد السيارات الكهربائية -نسبيًا- على الطرق، وفق ما أوردته وكالة رويترز.
وإلى جانب مخاطر الصعق الكهربائي، يتعيّن أخذ مخاطر اندلاع حرائق السيارات الكهربائية التي يكون من الصعب إخمادها، على محمل الجد.
ويرفض مالك ورشة إصلاح سيارات مستقلة في مدينة ميلان الإيطالية، ويُدعى روبرت بيتريللي، إنفاق 30 ألف يورو (32 ألفًا و600 دولار أميركي) على شراء المعدات اللازمة للصيانة، في وقت ما تزال فيه مبيعات السيارات الكهربائية في إيطاليا منخفضة، مع صغر حجم شبكة محطات شحن السيارات صديقة البيئة.
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا)
وقال بيتريللي: “يفصلني عن سن التقاعد 7 سنوات، وأعتقد أن الموضوع برمته لم يعد ذا جدوى”.
نقص العمال
تعاني صناعة إصلاح السيارات نقصًا في العمال منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.
ويطوّر معهد صناعة السيارات، ومقره هرتفورد شرق إنجلترا، برامج دراسية للتدريب على صيانة السيارات، ويطرح مقررات دراسية حول السيارات الكهربائية في الصين.
ويستهدف المعهد تكرار التجربة ذاتها في الهند، وأوروبا.
ويتوقع المعهد أن تعاني بريطانيا التي ستحظر مبيعات سيارات الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، نقصًا في أعداد الفنيين بواقع 25 ألف شخص بحلول عام 2032.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم بعد الصين، تخلفت مبيعات السيارات الكهربائية عن نظيرتها في أوروبا، لكن يتوقع مكتب إحصاءات العمل الأميركي أن تحتاج البلاد إلى قرابة 80 ألف فني سيارات كهربائية سنويًا حتى عام 2031، وتشتمل تلك الوظائف على فنيين لإصلاح السيارات أو تركيب بطارياتها.
وبالمثل، من الممكن أن تحتاج أستراليا إلى 9 آلاف فني سيارات كهربائية بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، وفق توقعات غرفة تجارة السيارات في فيكتوريا.
عزوف محتمل
يتخوًف خبراء السيارات أن يعزف فنيو إصلاح السيارات مثل بيتريللي في ميلان، عن التعامل مع الكهربائية منها، ما سيكبد المستهلكين فواتير باهظة الثمن، إلى جانب طول أوقات الصيانة.
وتُظهر البيانات الصادرة عن الشركة المتخصصة في تقديم شهادات الضمان “وارانتي وايز” في المملكة المتحدة ارتفاع التكاليف، مع زيادة الضمان لمدة عام لطراز “تيسلا موديل 3” بأعلى من 3 أضعاف في المتوسط، مقارنة بطرز سيارات الوقود الأحفوري ذات الأسعار المماثلة، وفق ما نشرته وكالة رويترز، وتابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “وارانتي وايز”، لورانس وايتيكر، إنه يتعيّن على شركته أن تستعمل وكلاء بنظام الامتياز، لإصلاح السيارات الكهربائية، لأن لديهم في الغالب فنيين مدربين، مقارنة بورشات إصلاح السيارات الكهربائية.
ويتخوّف وايتيكر من أن تكاليف التأمين والضمان المرتفعة تعني أن تظل السيارات الكهربائية باهظة الثمن بالنسبة إلى العديد من المستهلكين.
وتساءل: “كيف سيتحمل الناس تكاليف إصلاح السيارات العالية؟”.
الرسم البياني التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- يوضح أكثر 10 دول من حيث نصيب الفرد في امتلاك السيارات الكهربائية:
الخوف من المجهول
يتعامل العضو المنتدب في شركة “هيلكليمب جراج” Hillclimb Garage في مدينة هاي وايكومب التي تبعد نحو 48 كيلومترًا شمال غرب العاصمة البريطانية لندن، مارك دارفيل، مع السيارات الكهربائية والهجين، التي تشكل نحو 15% من أعمال الصيانة التي ينفذها يوميًا.
وقال دارفيل، إن الاستثمارات التي تخطط شركته لضخها في التدريب وشراء المعدات، وتلامس قيمتها 25 ألف جنيه إسترليني (31.400 دولارًا) ستؤتي ثمارها في أواخر عام 2024، في حين ينبغي أن تمثل السيارات الكهربائية والهجين ما نسبته 35% من أعمال الصيانة.
(الجنيه الإسترليني = 1.25 دولارًا أميركيًا)
ويتوافد العملاء الذين يفتقرون إلى خيارات صيانة السيارات الكهربائية من أماكن بعيدة.
وفي هذا الصدد قال دارفيل: “ما يعرقل العديد من ورشات إصلاح السيارات الكهربائية المستقلة هو الخوف من المجهول”.
ووفق تقديرات معهد صناعة السيارات، فقد تلقى ما نسبته 20% من فنيي السيارات في المملكة المتحدة بعض التدريب على التعامل مع السيارات الكهربائية، لكن 1% فقط منهم هم المؤهلون للتعامل مع ما هو أكثر من مجرد أعمال الصيانة اليومية.
ارتفاع المبيعات
قفزت مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 33% في بريطانيا في النصف الأول من عام 2023، لكن معهد صناعة السيارات قال إن الحصول على دورات تأهيلية في السيارات الكهربائية قد انخفض بنسبة 10% في الربع الأول من العام الجاري (2023).
وبلغت معدلات الحصول على دورات تأهيلية في صيانة السيارات الكهربائية 31% في الربع الثاني من عام 2023، مقارنة بعدد الأشخاص الذين تلقوا تلك الدورات في المدة ذاتها من العام الماضي (2022).
وقال مدير الاستدامة في شركة خدمات السيارات أديسون لي -مقرها لندن وتقدم خدمة الصيانة للسيارات الكهربائية- أندرو ويسكوت: “يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لإصلاح تلك السيارات، مقارنة بسيارات الوقود الأحفوري“.
وتسعى شركات صناعة السيارات إلى تدريب الفنيين.
وفي هذا الصدد أطلقت تيسلا، عملاقة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية، برامج تعليمية تُدرس في الكليات المجتمعية في الولايات المتحدة الأميركية لتدريب الفنيين المستقبليين.
كما تقدم تيسلا برامج تدريبية لمتاجر إصلاح السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
ويشعر رئيس تطوير منتجات السيارات في شركة لوكاس نويل Lucas-Nuelle الألمانية، التي تنتج معدات الدورات التدريبية للمركبات الكهربائية، بالقلق من إمكان تعرّض الفنيين غير المؤهلين للضغوط لإصلاح السيارات الكهربائية ذات الجهد العالي، موضحًا: “إصابة شخص ما منهم خلال عمله هي مسألة وقت”.
وقت طويل
تحاول بعض المجموعات مواجهة هذا النقص في الفنيين المؤهلين لإصلاح السيارات الكهربائية.
فعلى سبيل المثال، كشفت سيمنس -عملاقة التكنولوجيا الألمانية- عن برنامج تدريبي بقيمة 30 مليون دولار، لتدريب الفنيين في الولايات المتحدة على تركيب بطاريات السيارات الكهربائية وصيانتها.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس ديفيد إتزفيلر، إن نقص العمال المدربين “سيبطئ وتيرة التقدم” المحرز في التحول إلى السيارات الكهربائية”.
وكشفت سيمنس -التي تركز على تدريب وتثقيف القوة العاملة- النقاب عن حزمة تمويلية لمواجهة “الحاجة الملحة” إلى تدريب الفنيين، بحسب إتزفيلر.
ووفق تقديرات رابطة تجار السيارات في ولاية نيوساوث ويلز الأسترالية، سيتكلف تدريب الفنيين على صيانة السيارات الكهربائية 100 مليون دولار أسترالي (64.7 مليون دولار أميركي) لقرابة 50 ألف فني سيارات معتمد في الولاية.
(الدولار الأسترالي = 0.64 دولارًا أميركيًا)
وتستهدف ولاية نيوساوث ويلز الوصول بنسبة تمثيل السيارات الكهربائية إلى 50% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة بحلول نهاية العقد الجاري (2030).
معضلة صيانة السيارات الكهربائية
هاجم مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، ما وصفه بـ”لوبي” السيارات الكهربائية، مؤكدًا أن هدفه الأول والأخير هو “التربح، وليس الأهداف المناخية”.
وفنّد الحجي -في حلقة من برنامجه “أنسيّات الطاقة”، قدّمها بعنوان “مستقبل الطاقة بين الواقع والأحلام والتضليل الإعلامي”- الرواية التي ينسجها البعض عن السيارات الكهربائية، والتي مفادها بأن تكاليف صيانتها وإصلاحها منخفضة، قائلًا: “عند الحديث عن تكاليف السيارات الكهربائية نجد أنها أقلّ، ولكن الأزمة هي عدم توافر ورشات تصليح وصيانة عامة”.
واستطرد بقوله، إن إصلاح هذه السيارات يجري في وكالات خاصة بها، ما يُترجم إلى ارتفاع التكاليف وأوقات انتظار أطول على أرض الواقع، إذ إن بعضهم ينتظرون أكثر من شهرين لصيانة سياراتهم في إحدى الوكالات التابعة لشركة تيسلا الأميركية.