المصدر: موقع الطاقة
يُعَد المغرب من أبرز الدول المؤهلة لتصبح قبلة شركات السيارات الكهربائية، في ظل ما تتمتع به البلاد من سياسات جاذبة ومعادن مهمة لتلك الصناعة، بالتوازي مع الجهود الحثيثة للانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضرارًا.
ويُسهم قطاع السيارات بصورة كبيرة في نمو اقتصاد البلاد، مع نجاح الرباط في جذب العديد من الشركات العالمية والتصدير إلى الخارج، فهل تنجح في مواكبة التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية وجذب المصنعين لها والفوز بحصص سوقية عالمية؟
وتسعى العديد من الدول، ومنها المنطقة العربية، إلى توطين صناعة السيارات الكهربائية في إطار توجه دولي نحو تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة عبر تطبيق التقنيات النظيفة، خصوصًا في قطاع النقل المسؤول -بحسب وكالة الطاقة الدولية- عن 24% من انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا إلى 14 مليون وحدة خلال العام الجاري (2023)، محققة نسبة نمو سنوية تبلغ 35%، وفق المعلومات التي طالعتها وحدة أبحاث الطاقة.
المغرب يخطط لجذب أنظار صناعة السيارات
يخطط المغرب لجذب استثمارات تصنيع البطاريات العنصر الرئيس في تشغيل السيارات الكهربائية، استغلالًا لتميز البلاد بالمعادن المهمة لتلك الصناعة، خصوصًا الفوسفات.
وكانت البلاد قد أعلنت العام الماضي (2022) على لسان وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي، استهداف ضخ استثمارات بقيمة تصل إلى مليون دولار لتطوير تكنولوجيا صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ويأتي ذلك وسط سعي البلاد نحو تصنيع بطاريات الليثيوم القائمة على معدن الفوسفات، والابتعاد عن بطاريات معادن الكوبالت والنيكل والمغنيسيوم، وهو ما يمثّل مشروعًا واعدًا مع تميزها بذلك المعدن.
كما شهد العام الماضي تصريحات حكومية عن مفاوضات تقودها وزارة الصناعة المغربية مع شركات متخصصة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، للعمل على جذبها إلى إنشاء مصانع ضخمة محلية.
وشهد العام الجاري (2023) إعلان شركات لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية سعيها للاستفادة من المعادن المغربية في تأمين احتياجاتها.
وهو ما تمثّل -مؤخرًا- في إعلان شركة صناعة بطاريات السيارات الكهربائية “إل جي إنرجي سوليوشن” -التي تتخذ من كوريا الجنوبية مقرًا لها- الاتجاه إلى المغرب لتأمين إمدادات الليثيوم.
وتُعد الشركة الكورية هي ثاني أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم، التي عبرت عن اهتمامها بتوفير إمدادات هيدروكسيد الليثيوم من المغرب، عبر توقيع مذكرة تفاهم مع شركة ياهوا الصينية الرائدة في إنتاج هيدروكسيد الليثيوم لضمان إمدادات ثابتة عالية الجودة.
وتستعرض وحدة أبحاث الطاقة فيما يلي 3 عوامل أساسية تساعد على جذب المغرب لأنظار شركات صناعة السيارات الكهربائية..
1- المعادن
- ماذا عن الثروة المعدنية؟
تحتضن الأراضي المغربية، بالإضافة إلى الفوسفات، العديد من المعادن المهمة لصناعة السيارات الكهربائية، ولكنها بحاجة إلى توفير السياسات اللازمة لتحفيز البحث والاستكشاف في مناجمها.
وتُعد المعادن جزءًا مهمًا ورئيسًا في صناعة السيارات الكهربائية، إذ تعتمد صناعة البطاريات المشغلة لها على المعادن، خصوصًا النيكل والليثيوم والكوبالت والفوسفات.
ويأتي المغرب في المرتبة الثانية بعد الصين في إنتاج معدن الفوسفات عالميًا، مع امتلاكه نحو 73% من الاحتياطي العالمي لذلك المعدن المكتشف في أراضيه الصحراوية منذ ستينيات القرن الماضي.
وبحسب وزارة الطاقة والمعادن المغربية، تحل البلاد في المركز الأول أفريقيًا في إنتاج معادن مهمة أخرى، التي توجد احتياطياتها في الشمال والوسط خاصة المعادن الحديدية، في حين يوجد الرصاص والزنك والنحاس في شرق البلاد.
ووفقًا لآخر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بلغ إجمالي إنتاج البلاد من المنتجات المعدنية نحو 40.4 مليون طن خلال عام 2021.
وارتفع إنتاج البلاد من الفوسفات -يُشكل غالبية الثروة المعدنية في المغرب- إلى 38.1 مليون طن في عام 2021، مقابل 37.44 مليون طن خلال 2020.
بينما بلغ إنتاج المغرب من المنتجات المعدنية الأخرى نحو 2.4 مليون طن، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.
وتظهر البيانات أن قيمة صادرات المنتجات المعدنية، خلال 2021، سجلت 85.7 مليار درهم (8.65 مليار دولار)، لتشكل 26% من إجمالي صادرات البلاد.
كما يُسهم قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10%، مع بلوغ حجم استثمارات القطاع خلال عام (2021) نحو 13.3 مليار درهم (1.328 مليار دولار).
وبلغت الاستثمارات الموجهة إلى معدن الفوسفات نحو 11.9 مليار درهم (1.201 مليار دولار)، و1.4 مليار درهم (141.36 مليون دولار) للمنتجات المعدنية الأخرى.
- قطاع التعدين بحاجة إلى التطوير
منذ عام 2013، وضع المغرب إستراتيجية تستهدف تطوير قطاع التعدين باستثناء الفوسفات، للبحث عن فرص في معادن أخرى.
ومع التحديات الجديدة التي يواجهها قطاع التعدين واحتياجه إلى رؤوس أموال ضخمة تتسم بالمجازفة في أنشطة البحث والاستكشاف، وضعت البلاد مخططها التعديني (2021-2030).
ويعتمد المخطط التعديني على تطوير قطاع التعدين وزيادة تنافسيته، بالإضافة إلى تكيف الإطار التشريعي والآليات التمويلية والضريبية مع الطموحات الجديدة للقطاع.
وبدوره، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي إلى تعزيز مكانة قطاع المعادن، خصوصًا المعادن الإستراتيجية (معدن لا غنى عنه لدعم السياسة الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية والطاقة للدولة)، والمعادن الحيوية، التي تتسم بهشاشة كبيرة في سلسلة التوريد حاليًا.
ويُشار إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هو مؤسسة دستورية مستقلة أنشأها الملك المغربي محمد السادس في 2011.
وشدد المجلس على أهمية تلك المعادن للتنمية الاقتصادية للبلاد والأمن القومي لها، مع ارتفاع الطلب عليها لأهميتها في التصنيع وتسريع انتقال الطاقة والتحول الرقمي، وكذلك توطيد أسس السيادة الغذائية والعسكرية.
وبحسب ما نقله المجلس عن وكالة الطاقة الدولية تحتاج السيارة الكهربائية إلى كمية من المعادن تزيد بـ6 مرات على سيارة عاملة بمحرك احتراق داخلي.
بينما تحتاج محطة لطاقة الرياح البرية كمية من المعادن تعادل أكثر من 9 مرات، مقارنة بمحطة لتوليد للكهرباء تعمل بالغاز.
وحدد المجلس الاقتصادي مجموعة من المعادن التي يصفها بالإستراتيجية والحيوية، يبلغ عددها 24 معدنًا، يستورد المغرب منها 17 معدنًا، وأبرزها العناصر الأرضية النادرة والليثيوم والألومنيوم والغرافيت والكبريت.
ويرى أن وقوع صدمات على الصعيد الجيوسياسي أو اللوجستي والاقتصادي من شأنه أن يضعف قطاعات الاقتصاد التي تعتمد على هذه المعادن مع استيراد البلاد 74% منها.
وشدد المجلس على أهمية التحفيزات الضريية لتعزيز نشاط التعدين والصمود أمام تقلبات الأسعار، مع وجود العديد من الضمانات، وتطوير البحث لمعرفة الموارد المعدنية المتاحة وتقنيات الاستكشاف والاستغلال.
ويعتقد المجلس أن البلاد تمتلك قدرات تعدينية يتعيّن تطويرها، عبر بذل المزيد من الجهود في مجال الاستثمار وتعزيز عمليات الاستكشاف، ولكنه أشار كذلك إلى غياب أي معلومات رسمية حول المعادن الموجودة في البحر.
- المغرب يحتل موقعًا متقدمًا في إنتاج 12 معدنًا
احتلت البلاد مواقع متقدمة في إنتاج نحو 12 معدنًا عالميًا خلال عام 2020، ما يبرز أهمية تطوير ذلك القطاع واستغلاله كونه عامل جذب لشركات صناعة السيارات الكهربائية.
وتوضح آخر البيانات المتاحة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن عام 2020، أن المغرب احتل المركز الثاني عالميًا في إنتاج معدن الفوسفات، والثالث في إنتاج الباريت.
بينما جاءت البلاد بالترتيب السابع في إنتاج معدن الفلور، والثامن في إنتاج الكوبالت، والخامس عشر في إنتاج معدن الرصاص، وفي المركز السابع عشر في إنتاج الفضة والتاسع عشر عالميًا في إنتاج معدن البنتونيت.
وعلى صعيد معادن الزرنيخ والمنغنيز والزنك والنيكل والنحاس خلال عام 2020، جاء المغرب في المراكز 3 و17 و28 و27 و34 على الترتيب في إنتاجها عالميًا.
وأغلب تلك المعادن التي تحتل فيها البلاد مواقع متقدمة عالميًا تحتاج إليها صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات، ما يبرز مدى أهمية قطاع المعادن، لجذب هذه الشركات العاملة في القطاع.
وفي السياق نفسه، احتلت البلاد المرتبة الأولى أفريقيًا والثامن عالميًا في جذب الاستثمار بقطاع المعادن، وفقًا لما نقل المجلس عن مؤشر معهد فرايزر (Fraser).
وبحسب المؤشر، سجل المغرب أداءً جيدًا فيما يتعلق بالإدارة والنصوص القانونية وتطبيقها، والقوانين البيئية والمناطق المحمية واتفاقيات الشغل، لتحتل البلاد المركز الثاني عالميًا في السياسات التعدينية والأول أفريقيًا.
2- زخم الطاقة النظيفة
يأتي الاهتمام بالسيارات الكهربائية في إطار مواجهة الانبعاثات الضارة، وهو ما يبرز مدى أهمية وجود توليد كهرباء من مصادر نظيفة لشحن البطاريات المهمة لتشغيل المركبة.
ويُعد المغرب من الدول التي تعطي اهتمامًا كبيرًا بمصادر الطاقة المتجددة، ما يمثّل عامل جذب لاستثمارات البطاريات والسيارات الكهربائية، في ظل البحث عن مصادر نظيفة للكهرباء تحقق هدف الطاقة الخضراء عالميًا وحيادية الكربون.
ويأتي اهتمام البلاد بالطاقة النظيفة، بهدف تقليل استيراد الوقود الأحفوري، إذ تعتمد على الاستيراد بصورة شبه كاملة في توفير احتياجاتها من الوقود، بالإضافة إلى أهداف مواجهة الانبعاثات الضارة.
وحقق المغرب نموًا قويًا في نشر مصادر الطاقة المتجددة على مدار السنوات الماضية، إذ ارتفعت حصة الطاقة المتجددة إلى 38% من القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في البلاد بنهاية عام 2022، ليبلغ إنتاجها 4.03 ألف ميغاواط.
وتُعد الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر للطاقة المتجددة في البلاد، محققة 1771 ميغاواط بقدرة توليد الكهرباء خلال العام الماضي بحصة بلغت 16.7%.
وبلغت قدرة الكهرباء المنتجة من طاقة الرياح في المغرب خلال العام الماضي نحو 1.43 ألف ميغاواط بنسبة بلغت 13.84%، تلتها الطاقة الشمسية بقدرة بلغت 830 ميغاواط وبحصة 7.82%.
وتعمل البلاد عبر تنفيذ العديد من المشروعات على رفع حصة مصادر الطاقة المتجددة بقدرة توليد الكهرباء إلى 52% بحلول عام 2030، و70% بحلول عام 2040، و80% في 2050.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية نجاح المغرب في تحقيق نمو متوسط سنوي في توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة يبلغ 19%.
3- نمو قطاع السيارات
يحقق قطاع السيارات في المغرب منذ سنوات نموًا كبيرًا، لتنجح البلاد في تحطيم الأرقام القياسية، وتصبح أكبر منتج للسيارات في القارة الأفريقية، بحسب تصريحات لوزير الصناعة والتجارة رياض مزّور.
وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام سهولة تناغم البلاد مع التحول العالمي للسيارات الكهربائية وضخ استثمارات كبيرة فيما يتعلق بتلك الصناعة واقتحام السوق الدولية.
ومع نجاح البلاد في جذب العديد من الشركات العالمية المصنعة للسيارات، فإنها تنتج -حاليًا- نحو 700 ألف سيارة سنويًا، وسط استهداف البلاد رفع إنتاجها إلى مليون سيارة خلال 3 سنوات، ثم إلى مليوني سيارة خلال السنوات الـ8 المقبلة.
وينتج المغرب 40 ألف سيارة كهربائية سنويًا، مع استهداف البلاد مضاعفة ذلك الرقم ما بين 3 و4 مرات، حسبما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وقفزت قيمة صادرات البلاد من السيارات، خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023، إلى ملياري دولار، محققة نسبة نمو سنوية تخطت الـ40%، وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة.
ونجحت البلاد في رفع نسبة إدماج المنتج المحلي في قطاع غيار السيارات إلى 69%، إذ تصنع تلك المنتجات في 250 مصنعًا محليًا.
ويرغب المغرب في تحوله لإنتاج السيارات الكهربائية من خلال إستراتيجية طموحة تستند إلى التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة.