المصدر: موقع الطاقة
فطنت الولايات المتحدة وأوروبا إلى ضرورة تكثيف الاستثمارات في إنتاج الغرافيت الاصطناعي، المكون الرئيس في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية؛ في مسعى منهما إلى إنهاء احتكار الصين تلك السوق الحيوية العالمية.
وخلال الأعوام الأخيرة، تصاعدت المخاوف بشأن إمدادات الكوبالت من الكونغو، إلى جانب التذبذبات التي تشهدها سوق النيكل في بورصة لندن للمعادن بين الحين والآخر، وأسعار الليثيوم التي حلّقت عاليًا بمقدار 8 أضعاف في الشهور الماضية.
وبدهيًا، دفعت تلك المخاوف شركات صناعة بطاريات السيارات الكهربائية إلى البحث عن إمدادات بديلة لتلك المعادن الإستراتيجية، لتتحول أنظارها إلى الغرافيت والغرافيت الاصطناعي؛ رغبة منها بتحقيق الاستقرار في سلاسل الإمدادات الخاصة بتلك الصناعة صديقة البيئة، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتستهدف الاستثمارات الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إضعاف قبضة الصين المُحكَمة على معدن الغرافيت الذي يبرُز مكونًا رئيسًا في معظم بطاريات السيارات الكهربائية، لكن خبراء الصناعة يحذرون من بوادر معركة صعبة في هذا الخصوص، حسبما أوردت وكالة رويترز.
ويتحول التركيز إلى جبهة جديدة بطلُها عنصر الغرافيت الاصطناعي الذي طُوِّر في أواخر القرن الـ19، لكن أُعيد توجيهه فقط إلى صناعة بطاريات السيارات الكهربائية خلال العقد الماضي.
الصين منافس شرس
يتنامى تطبيق الغرافيت الاصطناعي بوتيرة سريعة؛ إذ من الممكن أن يمثّل قرابة ثُلثي سوق أنود بطاريات السيارات الكهربائية بحلول أواسط العقد الحالي (2025)، وفق تقديرات صادرة عن مؤسسة “بنشمارك منيرال إنتيلجنس” Benchmark Mineral Intelligence البريطانية المزوّدة لتقارير أسعار المعادن.
وتحتاج السيارة الكهربائية إلى ما يتراوح بين 50 و100 كيلوغرام من الغرافيت في حزمة بطاريتها لاستعمالها في الأنودات -الأقطاب الكهربائية السالبة في البطارية- ما يزيد عن قرابة ضعف كمية الليثيوم.
ورغم التوقعات بنمو سوق الغرافيت الاصطناعي بأكثر من 40% على مدار الأعوام الـ5 المقبلة إلى ما إجمالي قيمته 4.2 مليارات دولار أميركي في عام 2028، وفق تقديرات شركة “موردور إنتيلجنس” Mordor Intelligence، فإن الشركات الراغبة في اقتحام تلك السوق الحيوية بالغة الحساسية تواجه منافسة شرسة من الصين.
وتستأثر الصين بتكرير ما يزيد على 90% من إجمالي حجم الغرافيت الطبيعي في العالم المُستعمل في كل أنودات بطاريات السيارات الكهربائية؛ وتستثمر شركات صينية عملاقة متخصصة في إنتاج مواد البطاريات مثل “بي تي آر” BTR و “شانشان” Shanshan مئات الملايين من الدولارات لتسريع وتيرة إنتاج الغرافيت الاصطناعي.
خطوة ناجحة تجاريًا
قالت المحللة في شركة رو موشن Rho Motion للأبحاث -ومقرّها المملكة المتحدة- فيكتوريا هوغيل: إن “إدخال الغرافيت الاصطناعي في سلسلة إمدادات البطاريات خطوة حالفها الصواب، وناجحة تجاريًا في الصين”.
وأضافت أنه “رغم سيطرة المنتجين الصينيين على حصة كبيرة من سوق الغرافيت الاصطناعي الصغيرة سريعة النمو، ينجذب العديد من الوافدين الجدد، ممثلين في شركات أنوفيون Anovion ونوفونيكس الأميركيتين، وشركة فيانودي Vianode النرويجية، بفضل عاملين لا ثالث لهما”.
وأوضحت: “العامل الأول يتمثل في أنه من السهل إنشاء مصنع لإنتاج الغرافيت الاصطناعي، مقارنةَ بتشغيل مواقع تعدين جديدة للغرافيت الطبيعي؛ لأنه بمقدور المنتجين استغلال التحفيزات الممنوحة بموجب قانون خفض التخفيض الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في العام الماضي (2022) لبناء سعة غرافيت اصطناعي في الولايات المتحدة الأميركية، أو الدول الشريكة في اتفاقيات التجارة الحرة”.
والميزة الثانية التي تشجع على الاستثمار في سوق الغرافيت الاصطناعي هي انعدام الحاجة إلى إنشاء المصانع الجديدة بالقرب من منجم غرافيت، بحسب ما قالته هوغيل.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة “نوفونيكس” Novonix الأسترالية العاملة في تزويد مواد البطاريات كريس برنز: “شيء مذهل أن ترى هذا العدد من المشاركين، لا سيما بالنسبة للأنودات”.
شحن أسرع وعمر أطول
ستستفيد عمليات إنتاج الغرافيت الاصطناعي الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية -من بينها مصنع بقيمة 800 مليون دولار تبنيه شركة أنوفيون في مدينة بينبردج بولاية جورجيا، إلى جانب مصنع بكلفة استثمارية قدرها 160 مليون دولار تبنيه نوفونيكس في مدينة شاتانوغا بولاية تينيسي- من التحفيزات الأميركية المتضمنة في قانون خفض التضخم، وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، بحسب مسؤولين تنفيذيين.
وبالمثل، تستهدف شركة فيانودي المملوكة لمجموعة نورسك هايدرو Norsk Hydro ومصنعة البطاريات إلكيم Elkem ومؤسسة “ألتور إكويتي بارتنرز” Altor Equity Partners بناء مصانع لإنتاج الغرافيت الاصطناعي في أوروبا وأميركا الشمالية، بسعة تكفي لإمداد مليوني سيارة كهربائية سنويًا بحلول نهاية العقد الجاري (2030).
وثمّن المسؤول التنفيذي السابق لدى شركة نورسك، هايدرو هانز إريك فاتني، تلك الجهود، قائلًا، إنها عملية إنتاج تعمل بالكهرباء المتجددة، وبصمة كربونية تقلّ بنسبة 90% عن نظيرتها في مصافي تكرير الغرافيت في الصين.
ولخّص فاتني الفوائد المتحققة من استعمال الغرافيت الاصطناعي في بطاريات السيارات الكهربائية، بأنها ذات “شحن أسرع وعمر بطارية أطول”.
ومن الممكن أن تُسهم العملية التي تستهدفها شركة فيانودي في تبديد المخاوف الناجمة عن مزاعم مفادها عدم استدامة عملية إنتاج الغرافيت الاصطناعي التي ترتكز عادةً على مصادر الوقود الأحفوري.
ويشير خبراء آخرون إلى أن الغرافيت الاصطناعي يتميز بوجه عام بدرجة نقاء عالية، وأداء أفضل، مقارنة بنظيره الطبيعي.
انكماش الفجوة السعرية
تراجعت الفجوة السعرية بين الغرافيت الاصطناعي والطبيعي كثيرًا خلال العام الجاري (2203)؛ ما يدفع المنتجين إلى مزج الكثير من المواد الاصطناعية في أنودات البطاريات، والتي ما تزال تمثّل أقلّ من 10% من تكلفة خلية بطارية سيارة كهربائية.
وقال مؤسس شركة غالين إنرجي Galyen Energy رئيس قسم التكنولوجيا السابق في شركة “سي إيه تي إل” CATL الصينية، أكبر مصنع بطاريات سيارات كهربائية في العالم، بوب غالين، إن الحاجة المتنامية لمادة بطاريات نظيفة هي أحد المحركات الرئيسة للغرافيت الاصطناعي.
وما تزال عملية إنتاج مصانع جديدة لإنتاج الغرافيت الاصطناعي، حتى في ظل وجود تحفيزات فيدرالية، تتطلب استثمارات سخية، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة “نوفونيكس” Novonix الأسترالية العاملة في تزويد مواد البطاريات كريس برنز.
وأفاد برنز: “التحدي الأكبر الذي تواجهه صناعتنا هو حجم رأس المال الذي يجب أن يتدفق لإحداث تأثير في سلسلة الإمدادات”.
هيمنة صينية مستمرة
ستواصل الصين الهيمنة على إنتاج الغرافيت الاصطناعي، وفق توقعات مؤسسة الأبحاث “فاست ماركيتس” التي تشير إلى نمو إنتاج الصين من هذا الغرافيت من نحو 1.6 مليون طن متري خلال عام 2023 إلى مليونين بحلول عام 2030.
وفي هذا السياق قال برنز: “هناك حقيقة مؤداها أن الصين ستكون أكبر لاعب في تلك السوق خلال المدة من 10 إلى 20 سنة المقبلة”.
مُعضلة الطلب
من المتوقع أن تستهلك صناعة البطاريات ثلثي رقاقات الغرافيت في العالم بحلول عام 2025، مع زيادة معدل الاستهلاك إلى 79% في عام 2030، وفقًا لتوقعات منصة “ناتشورول فليك غرافيت فوركاست” التابعة لشركة بنشمارك.
وقال مدير العمليات في شركة بنشمارك مينرال إنتليجنس البريطانية المعنية بأسواق المعادن، آندي ميلر: “نظرًا إلى المدة الطويلة اللازمة لاستخراج الغرافيت، لسدّ الطلب المتنامي خلال المدة المقبلة، سيكون لزامًا على الصناعة البدء الفوري في تطوير مناجم جديدة”.
وفي ظل متوسط إنتاج مناجم الغرافيت البالغ 56 ألف طن سنويًا، تحتاج الصناعة إلى نحو 97 منجمًا جديدًا و52 محطة اصطناعية جديدة (بمتوسط 57 كيلو طن سنويًا) لتلبية الطلب في أواسط العقد المقبل (2035)، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار ميلر إلى أن عدد المناجم المطلوبة لإنتاج الغرافيت أكثر من الليثيوم (59 منجمًا) والكوبالت (62) والنيكل (72).
وتشير تقديرات شركة بنشمارك إلى أن المعروض العالمي من رقاقات الغرافيت خلال العام الماضي (2022) الذي يبلغ 1.5 مليون طن سيتضاعف بحلول عام 2027، مدفوعًا بالمناجم الجديدة والتوسعات في تنزانيا وموزمبيق ومدغشقر وناميبيا.