“تقارير المربع” جاكوار تواجه أهم اختبار في تاريخها بعد قرار إيقاف جميع موديلاتها

المصدر: موقع المربع

المربع نت – في عام 1961، طرحت علامة جاكوار البريطانية واحدة من أهم السيارات في تاريخ صناعة السيارات، وهي E-Type البديعة التي مثلت ثورة آنذاك في عالم التصميم والرقي والأداء الرياضي، وعززت مكانة جاكوار كواحدة من أفضل علامات السيارات الفاخرة في العالم.

جاكوار E-Type

وحازت E-Type على إعجاب عشاق السيارات لدرجة أن إنزو فيراري نفسه، مؤسس فيراري، وصفها بـ “السيارة الأجمل في العالم”، وهو لقب احتفظت به السيارة لعقود طويلة حتى بعد توقف إنتاجها في عام 1974، ولا زلنا حتى يومنا هذا نرى مجلات وصحف شهيرة مثل The Daily Telegraph تضع جاكوار E-Type على رأس قائمة السيارات الأجمل والأكثر رقياً في تاريخ الصناعة.

فترة الخمسينات والستينات والسبعينات كانت العصر الذهبي لعلامة جاكوار، سواء في مجال السيارات الرياضية المعروضة للبيع، أو في مجال السباقات.. ولكن خلال العقدين الماضيين، عانت العلامة من تدهور حاد في مكانتها التاريخية، مع انهيار مبيعاتها وعجزها عن تحقيق أي أرباح لأعوام متوالية، ما دفع شركة جاكوار لاندروفر لاقتراح إعادة هيكلة شاملة للعلامة، في محاولة لتغيير حظوظها وإنعاش صورتها العالمية.

أول خطوة وربما أغرب خطوة في استراتيجية إعادة هيكلة جاكوار هو إيقاف جميع موديلاتها، بداية من بريطانيا نفسها، وهو ما أعلنت عنه العلامة الأسبوع الماضي، استعداداً لتحول جاكوار إلى علامة كهربائية أكثر حصرية وفخامة بداية من 2026.

لأول مرة في تاريخها؛ جاكوار البريطانية لا تعرض أي سيارة جديدة للبيع في سوقها المحلي البريطاني.. ولا نتحدث هنا عن عدة أسابيع أو أشهر، بل هذا التوقف مستمر لعام ونصف على الأقل، حتى موعد طرح السيارة الكهربائية القادمة للعلامة في 2026.

في هذا المقال سنستعرض ما حدث لجاكوار خلال الأعوام الماضية، وكيف انتهى بها الحال لتوقف جميع موديلاتها، وخطط العلامة لإعادة إحياء نفسها والمنافسة بشكل جاد مرة أخرى في الفئة الفاخرة.

الوصول السريع للمحتوى

“تقارير المربع” جاكوار تواجه أهم اختبار في تاريخها بعد قرار إيقاف جميع موديلاتها

أيقونة بريطانية في عالم السيارات

في عقد الخمسينات، تمكنت جاكوار من الفوز بسباق لومان الفرنسي الشهير للتحمل لثلاثة أعوام متوالية، في 1955 و1956 و1957، بسيارة السباق D-Type التي مهدت لاحقاً لـ E-Type الأسطورية المجهزة للطرق العامة.

هذه كانت اللحظات التي جسدت نجاح جاكوار المدهش في عالم السيارات الرياضية وسطوع نجمها، مع فوزها بـ 7 بطولات لومان على مدار تاريخها، ما يجعلها رابع أنجح علامة سيارات في تاريخ البطولة، وراء بورش واودي وفيراري.

أسطورة السباقات جاكوار D-Type

وسريعاً تمكنت جاكوار من تأسيس سمعة من الموثوقية والأداء الرياضي والفخامة في أوساط عشاق السيارات، وتم اعتبار الشركة نموذجاً للإبداع والابتكار البريطاني، مع تعاون جاكوار مع الأسرة الملكية الحاكمة في بريطانيا لتزويدهم ببعض أفضل سياراتها على مدار العقود.

وبداية من فترة الثمانينات، أصبحت سيارات جاكوار المركبات الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني، بداية من جاكوار XJ التي كانت مزودة بمحرك 6 سلندر 3.4 لتر بقوة 163 حصان في عام 1980، واستمرت الحكومة البريطانية بالاعتماد على نسخ مصفحة لجاكوار XJ على مدار أجيالها المتعددة حتى عام 2019.

جاكوار XJ مصفحة استخدمها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في بداية الألفية

خلال هذه الفترة، مرت جاكوار بظروف عصيبة أدت لبيعها لأطراف خارج بريطانيا أكثر من مرة، بداية من فورد في عام 1989 ونهاية بمجموعة تاتا الهندية في خضم الأزمة المالية العالمية في 2008.

فورد تشتري جاكوار وعدد من صانعات السيارات الأوروبية الفاخرة

في فترة الثمانينات، عانت جاكوار من أول تدهور حقيقي لمبيعاتها وصورتها العالمية، لأسباب تشمل النقص الحاد في رأس المال اللازم لتطوير منتجات وتقنيات جديدة لسياراتها، ما أدى لتقهقرها في المنافسة أمام العلامات الأوروبية الفاخرة المنافسة مثل بي ام دبليو ومرسيدس واودي.

استجابة لهذه الظروف، تم بيع جاكوار في عام 1989 لشركة فورد، والتي بدأت مرحلة استحواذ غير مسبوقة آنذاك على شركات السيارت البريطانية والأوروبية الفاخرة، بما يشمل علامة لاندروفر في عام 2000، واستون مارتن البريطانية، وفولفو السويدية، مع ضم العلامات الأربعة في شركة موحدة أطلقت عليها فورد اسم Premier Automotive Group.

الأمل وقتها أن الدعم المادي والتقني من فورد سيوفر دفعة قوية لجاكوار لاستعادة بريقها وإنعاش مجال موديلاتها والمنافسة مرة أخرى بشكل حقيقي في الفئة الفاخرة، ولكن للأسف لم تتحقق هذه الأهداف.. وبشكل صادم، فشلت جاكوار في تحقيق أي أرباح خلال فترة إدارة فورد لها، والتي امتدت لـ 28 عاماً كاملاً.

جاكوار S-Type التي شاركت الشاسيه والمحرك مع لينكون LS في التسعينات ولكن لم تحقق نجاحاً كافياً

السبب الوحيد الذي دعم استمرار جاكوار رغم خسائرها الفادحة لأكثر من ربع قرن هو صورتها التاريخية كواحدة من أهم العلامات التجارية في بريطانيا.. والآمال المستمرة في عودة جاكوار يوماً ما لعصرها الذهبي.

ولكن بحلول 2007 و2008 كان الوقت متأخراً جداً لجاكوار، مع اندلاع الأزمة المالية العالمية التي كادت أن تؤدي لإفلاس شركتها الأم فورد.. وفي ظل هذه الظروف، قررت فورد التخلي عن استثماراتها الأوروبية التي لم تجلب لها سوى الخسائر طوال هذه العقود.

فورد تتخلى عن جاكوار ولاندروفر.. وتاتا الهندية تدخل الساحة

في عام 2008، وفي محاولة للتخلص من العلامات الخاسرة وخفض النفقات، أعلنت فورد عن بيع جاكوار ولاندروفر لطرف غير متوقع بالمرة، وهي شركة تاتا موتورز الهندية.

تاتا موتورز تشتري جاكوار ولاندروفر من فورد

تاتا كانت تحت إدارة واحدة من أجرأ وأذكى رجال الأعمال الهنود، راتان تاتا، والذي أشرف على تحول شركته إلى واحدة من أهم صانعات السيارات في الهند وآسيا، واشتهر بمشاريعه الفريدة مثل طرح أرخص سيارة في العالم باسم تاتا نانو في في عام 2008، بسعر 2500 دولار فقط (9300 ريال).

وأشرف راتان تاتا على توسع شركة تاتا موتورز في عدد كبير من الأسواق العالمية، مع بنائها لمصانع في الأرجنتين وبريطانيا وإسبانيا وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى مراكز بحث وتطوير موزعة حول العالم كذلك، بما يشمل أوروبا وكوريا الجنوبية والهند.

ولكن بدون شك، القرار الأهم في تاريخ راتان تاتا هو شراء جاكوار ولاندروفر من فورد في صفقة مدوية بقيمة 2.3 مليار دولار آنذاك، ودخول المنافسة الهندية لقلب صناعة السيارات البريطانية لأول مرة.

وبدأت تاتا على الفور بإجراء تغييرات جذرية، أبرزها دمج علامتي جاكوار ولاندروفر بالكامل في شركة موحدة هي “جاكوار لاندروفر” لمشاركة النفقات والتطوير وجميع سلاسل التوريد، كما ضخت تاتا استثمارات معتبرة لدعم خطط تطوير موديلات جاكوار جديدة.

جاكوار F-Pace، السيارة الأعلى مبيعاً للعلامة خلال العقد الماضي

الاستراتيجية كانت ناجحة في البداية، مع ارتفاع مبيعات جاكوار بـ 42% في عام 2013، ولكنه كان تحسناً مؤقتاً.. مع فشل جاكوار في تحقيق أي أرباح لمجموعة تاتا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وتدهور مبيعاتها بشكل حاد مقارنة بمنافسيها من ألمانيا.

من الواضح إذن أن جاكوار تواجه لحظة فارقة في تاريخها.. ووجودها نفسه الآن معرض للخطر والإيقاف، ولابد من حل جذري من نوع ما لإنقاذ العلامة العريقة من مصيرها المظلم.

الحل الجذري المفاجئ.. إيقاف جميع الموديلات، والتحول إلى علامة منافسة لبنتلي!

إذن ما الحل الذي اقترحته مجموعة جاكوار لاندروفر، والذي وافقت عليه شركتها الأم تاتا موتورز؟ .. الحل هو تحويل جاكوار إلى علامة كهربائية بشكل حصري، وليس هذا فحسب، بل علامة أفخم وأكثر حصرية بكثير.

جاكوار لا ترغب في منافسة مرسيدس واودي وبي ام دبليو بعد الآن.. من الواضح تماماً بعد عقود من المحاولة أن العلامة عاجزة عن اختراق هذا السوق والمنافسة فيه بشكل جاد، لذا الحل الآن هو التركيز على فئة مختلفة من العملاء.. فئة قادرة على دفع مبالغ تصل إلى ربع مليون دولار للسيارة الواحدة.. جاكوار ستستهدف عملاء بنتلي ورولزرويس ومايباخ بشكل مباشر.

هو تغيير هائل ومقلق للعلامة.. خاصة وأن جاكوار اختارت أسوأ وقت ممكن للتحول إلى علامة كهربائية بالكامل، عند الأخذ في الاعتبار التباطؤ الحاد في المبيعات الكهربائية في معظم الأسواق العالمية.

ولكن الإدارة مصممة تماماً على هذا المسار، باعتباره المسار الوحيد المتبقي للشركة.. هذه هي الصيحة الأخيرة لجاكوار، إما ستصيب أو ستفشل وتنهي العلامة معها.

وستبدأ جاكوار بطرح أول سيارة كهربائية لها بعد التحول الجديد لها في بداية 2026، وهي سيارة سيدان GT رياضية منافسة لبورش تايكان، وسيتجاوز سعرها المبدئي 130 ألف دولار.

تصميم تخيلي لسيارة جاكوار GT الفاخرة القادمة لمنافسة بورش تايكان

وستتبعها جاكوار بسيارة SUV كهربائية حصرية جداً لمنافسة بنتلي بنتايجا، ثم سيارة سيدان كاملة الحجم لاحقاً، مع اعتماد كل هذه السيارات على منصة جديدة كلياً مخصصة لسيارات جاكوار الكهربائية الفاخرة.

للوقت الحالي، ستتوقف جاكوار كلياً عن بيع أي موديل جديد في السوق البريطاني، كما ستتوقف عن بيع أي موديل لباقي الأسواق العالمية خلال الأشهر المعدودة القادمة، مع تخصيص كل جهودها واستثماراتها لتطوير الموديلات الجديدة التي ستحسم مستقبل العلامة.

اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” كيف تخطط شركات السيارات الصينية لاختراق أسواق أوروبا وأمريكا والانتصار في الحرب التجارية

شارك هذا الخبر