إضراب صناعة السيارات في أميركا.. بايدن بين مطرقة حقوق العمال وسندان المركبات الكهربائية

المصدر: موقع الطاقة

يمثل إضراب صناعة السيارات في أميركا، الذي بدأه آلاف العمال أمس الأول الجمعة 15 سبتمبر/أيلول (2023)، اختبارًا حاسمًا لخطط الرئيس جو بايدن الخاصة بالتوسع في صناعة السيارات الكهربائية التي لا تتطلب سوى أعداد عمالة منخفضة؛ ما يمثل تهديدًا لآلاف الوظائف في هذا القطاع الحيوي.

وكثيرًا ما انتقد العاملون في نقابة عمال السيارات المتحدة “يونايتد أوتو وركرز” United Auto Workers في أميركا، في بيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، الأسلوب الذي تتعامل به شركات صناعة السيارات مع التحول العدائي إلى المركبات الكهربائية، متهمين إياها بتقليص الأجور في إطار تلك المساعي التي يرونها تمثل خطرًا على أرزاقهم، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

شارك في إضراب صناعة السيارات في أميركا قرابة 13 ألف عامل في أعقاب انهيار المفاوضات التي دارت بين قادة العمال و3 من أكبر شركات صناعة السيارات في البلاد، والتي كان يُعول عليها في التوصل إلى اتفاق شامل حول عقود العمل الجماعية الجديدة.

ووقع إضراب صناعة السيارات في أميركا التاريخي الذي يُعَد الأكبر من نوعه في الولايات المتحدة الأميركية خلال عقود، في 3 مصانع تابعة لشركات جنرال موتورز الكائن في ولاية ميسوري، ومصنع فورد فى واين بميشيغان والقريب من ديترويت، وأخيرًا بمصنع ستيلانتس جيب في توليدو بولاية أوهايو.

وخلال تلك المفاوضات برزت فجوة واسعة -على ما يبدو- بين مطالب النقابات العمالية بشأن عقود العمل الجديدة، وما ترغب عمالقة صناعة السيارات في دفعه لهم.

السيارات الكهربائية كلمة السر

قالت أستاذة الأعمال في جامعة واين ستيت ماريك ماسترز، تعقيبًا على إضراب صناعة السيارات في أميركا، إن قضية السيارات الكهربائية هي الخلفية لكل شيء، وفق ما نشرته صحيفة “ذا هيل” الأمريكية.

وأضافت ماسترز: “فهي (السيارات الكهربائية) خلفية لما يمكن أن تمنحه الشركات لنقابات العمال في هذا العقد”.

وأوضحت ماسترز أن وضع عملاقة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية تيسلا بوصفها شركةً غير عضو في نقابة عمال السيارات المتحدة هو الخطر الحقيقي الذي يهدد عمال النقابة ويخيفهم.

وتابعت: “إنه شيء يُقلق نقابة عمال السيارات المتحدة”، وفق التصريحات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

جانب من إضراب العاملين بنقابة عمال السيارات المتحدة في أميركا
جانب من إضراب العاملين بنقابة عمال السيارات المتحدة في أميركا – الصورة من npr

ويضع إضراب صناعة السيارات في أميركا الرئيس بايدن، والديمقراطيين في مأزق قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل (2024)؛ حيث يسعى بايدن إلى تحقيق التوازن بين دعم العمالة من جهة ومكافحة التغيرات المناخية من جهة أخرى.

وخلال السباق الرئاسي المقبل، يتطلع بايدن ومنافسه الجمهوري دونالد ترمب إلى مغازلة العمال، ومحاولة كسب أصواتهم، ولا سيما أن ميشيغان تُعد من الولايات المتأرجحة الرئيسة.

إضراب صُنع في واشنطن

صُنع إضراب صناعة السيارات في أميركا -على ما يبدو- في واشنطن بسبب السياسات التي تنتهجها إدارة بايدن بشأن التحول السريع إلى كهربة أسطول السيارات في أكبر الاقتصادات العالمية.

وتعلم نقابة عمال السيارات المتحدة -يقينًا- أن السيارات الكهربائية تتطلب أعدادًا أقل من العمالة لتصنيع تلك المركبات؛ ما يهدد وظائف آلاف العمال الذين ينخرطون في تصنيع السيارات العاملة بالبنزين.

لكن الشركات تخسر فعليًا في عملية تصنيع السيارات الكهربائية، وتشعر بقلق إزاء تقديم العديد من التنازلات إلى نقابة عمال السيارات المتحدة؛ ما سيقودها إلى مزيد من الخسائر، نتيجة اضطرارها لإنتاج مزيد من السيارات الكهربائية.

تفويض بايدن

من الصعب المبالغة في تقدير التكاليف المقترنة بعملية التحول “القسرية” تلك إلى السيارات الكهربائية، التي تقف وراءها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وولاية كاليفورنيا.

ويُلزم بايدن شركات صناعة السيارات الكهربائية بأن تمثل منتجاتها حصة متزايدة من مبيعات شركات السيارات بوجه عام، وتحديدًا بواقع الثلثين، وذلك بحلول عام 2032.

وعلى المسار نفسه تُخطط ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات الأخرى التقدمية لحظر كل السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين بحلول أواسط العقد المقبل (2035).

وفي العام الماضي (2022) لم تُشكل السيارات الكهربائية سوى أقل من 3% من مبيعات شركات السيارات في ديترويت.

الشركات في مأزق

تُزيد شركات صناعة السيارات من وتيرة توجيه أرباحها المُحقَّقة من مبيعات شاحنات البيك آب العاملة بالبنزين وسيارات الدفع الرباعي، إلى تعزيز إنتاج السيارات الكهربائية، ودعم مبيعاتها لتلبية شروط تفويض بايدن بشأن تلك المركبات النظيفة.

وفي العام قبل الماضي (2021) التزمت جنرال موتورز وستيلانتس بإنفاق قرابة 35 مليار دولار بحلول منتصف العقد الحالي (2025) على السيارات الكهربائية و”البديلة”.

وبالمثل أعلنت فورد في عام 2022 أنها ستضخ استثمارات قوامها 50 مليار دولار في السيارات الكهربائية حتى عام 2026.

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث عن تأمين سلاسل الإمداد المعدنية المهمة
الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث عن تأمين سلاسل الإمداد المعدنية المهمة – الصورة من فورين بوليسي

وحتى في ظل الدعم السخي الممنوح لعملية إنتاج البطاريات ومشتري السيارات الكهربائية بموجب قانون خفض التضخم الذي أقره الكونغرس في العام الماضي (2022)، لا تستطيع شركات صناعة السيارات التي أشعل عمالها الإضراب القبول بمطالب نقابة عمال السيارات المتحدة دون التهديد بتعريض أرباحها للخطر.

فعلى سبيل المثال خسرت فورد، رائدة صناعة السيارات الأميركية نحو 60 ألف دولار عن كل سيارة كهربائية باعتها في الربع الأول من عام 2023، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وعلاوة على ذلك اضطرت تلك الشركات إلى تسريح الآلاف من عمالها الدائمين؛ من بينهم مهندسون، لتمويل التحول إلى السيارات الكهربائية.

نيران بايدن

في 15 سبتمبر/أيلول (2023) بعث جو بايدن اثنين من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية إلى ديترويت في أعقاب بدء إضراب صناعة السيارات في أميركا ضد الشركات الـ3 الكبرى وسط خلاف على عقود العمل.

وقال بايدن: “على مدار العقد الماضي سجّلت شركات السيارات أرباحًا قياسية؛ من بينها الأعوام القليلة الماضية بسبب المهارات البشرية غير العادية المتوافرة لدى تلك الشركات، وتضحية تلك الأخيرة بالعاملين في نقابة عمال السيارات المتحدة”، في تصريحات أدلى بها من البيت الأبيض.

وأضاف بايدن: “تلك الأرباح القياسية لم تُشارَك بالعدل، من وجهة نظري، مع هؤلاء العمال”، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وأوضح: “الشركات قدمت بعض العروض المهمة، لكن ينبغي عليها، في تقديري، تقديم أكثر من هذا لضمان ترجمة الأرباح القياسية إلى عقود مربحة لهؤلاء العمال”.

معركة السيارات الكهربائية مستمرة

رغم تداعيات إضراب صناعة السيارات في أميركا؛ فقد شدد الرئيس الأميركي جو بايدن على أن بلاده تواصل معركة التحول إلى السيارات الكهربائية، مضيفًا أن “هذا التحول ينبغي أن يكون عادلاً ومُربحًا لكل من عمال السيارات وشركات صناعة السيارات -على حد سواء”، وفق ما نشره موقع “كلورادو نيوزلاين”.

واستدرك: “لكنني أعتقد -أيضًا- أن اتفاقية العقود يتعين أن تقود إلى مستقبل (صنع في أميركا) الذي يدعم وظائف جيدة وقوية للطبقة المتوسطة، والتي يستطيع العمال من خلالها إعالة أسرهم وذويهم”.

من جهته قال رئيس نقابة “يونايتد أوتو وركرز شون فين” إن الإضراب لا يتعلق فقط بالعمال التابعين لها، خلال تصريحات أدلى بها أمام العاملين المضربين خارج مصنع ميشيغان، وفق ما أوردته صحيفة “ميشيغان أدفانس”.

وأضاف فين: “إضراب صناعة السيارات في أميركا يخُص كل العمال في هذا البلد؛ فأيًا كان عملك في الولايات المتحدة، فأنت تستحق نصيبًا عادلًا من الأسهم”.

إضراب العاملين بنقابة عمال السيارات المتحدة في أميركا
إضراب العاملين بنقابة عمال السيارات المتحدة في أميركا – الصورة من سي إن إن

بايدن المتهم الأول

ألقى نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بينس، باللائمة في إضراب صناعة السيارات في أميركا ضد شركات السيارات الـ3 الكبرى في ديترويت، على السياسات الاقتصادية التي يتبنّاها الرئيس بايدن، قائلًا إنه نتاج التضخم الذي انعكس على الأجور، والتحول إلى السيارات الكهربائية الذي يُهدد الوظائف.

وقال بينس: “جو بايدن يقوّض هذا البلد داخليًا وخارجيًا؛ فقد أدى هذا الإنفاق الضخم حينما جاء إلى منصبه، والبالغة قيمته 2 تريليون دولار على أوجه غير ضرورية، إلى إشعال نار التضخم الذي يُعد الأعنف في 40 سنة، ومن ثم أصبحت الأجور لا تواكب متطلبات الحياة”، في تصريحات إلى “بلومبرغ” أمس الجمعة 15 سبتمبر/أيلول (2023).

وأضاف: “ملخص ما يحدث بين الشركات الكبرى الـ3 والعاملين بنقابة عمال السيارات المتحدة هو أن العمال المنفذين لإضراب صناعة السيارات في أميركا متضررون فعليًا، وهذا ما أسمعه أينما ذهبت في البلاد”.

وواصل: “هؤلاء العمال يكافحون من أجل دفع تكاليف المواد الغذائية، ويكافحون من أجل تزويد سياراتهم في محطات الوقود”.

وطالب بينس شركات السيارات بتقديم تنازلات أكثر؛ كي تضع حدًا لإضراب صناعة السيارات في أميركا، الذي يهدد بزعزعة الاقتصاد الوطني، ونسف جهود الرئيس في مسار التحول إلى السيارات الكهربائية.

  •  
شارك هذا الخبر