المصدر: موقع المربع
المربع نت – شهدت صناعة السيارات تحولًا جذريًا في السنوات الأخيرة مع زيادة الاهتمام بالسيارات الكهربائية، مدفوعة بالتوجهات البيئية، إلا أنها جاءت بتحديات اقتصادية كبيرة طالت شركات السيارات التقليدية وحتى بعض الشركات الناشئة.
الوصول السريع للمحتوى
سبب التحول
مع تزايد المخاوف البيئية، فرضت الحكومات حول العالم لوائح صارمة على انبعاثات الكربون، مما دفع الشركات إلى الاستثمار المكثف في تطوير السيارات الكهربائية، وإنفاق مليارات الدولارات في سبيل تطوريها.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت التكاليف التشغيلية للشركات بسبب بناء مصانع جديدة، وتدريب العمال.
عيوب السيارات الكهربائية
السيارات الكهربائية رغم مميزاتها، تواجه تحديات تُقلق البعض من حيث اعتمادها كبديل شامل، من أبرز العيوب هو قصر مدى القيادة، حيث يحتاج السائقون إلى التخطيط المسبق لشحن البطارية، خاصة في الرحلات الطويلة، كما أن عملية الشحن نفسها تستغرق وقتًا أطول مقارنة بملء الوقود التقليدي، مما يسبب إزعاجًا يوميًا.
التكلفة المرتفعة للسيارات الكهربائية تعود جزئيًا إلى سعر البطاريات التي تتطلب مواد نادرة مثل الليثيوم والكوبالت، والتي ترتبط بتحديات بيئية، وأخيرًا، توفر البنية التحتية لشبكات الشحن ما زال غير متكامل، مما يضيف عائقًا إضافيًا لتوسع استخدامها.
تأثيرها على البنية التحتية
السيارات الكهربائية تؤثر بشكل ملحوظ على البنية التحتية، حيث تضع ضغطًا إضافيًا على شبكات الكهرباء التي تحتاج إلى تحديثات مكلفة لاستيعاب الطلب المتزايد على الطاقة، إضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات إلى تحسين أنظمة إدارة البطاريات المستعملة لتقليل المخاطر البيئية. وفي سياق متصل، إنشاء محطات شحن جديدة وتوزيعها بشكل متساوٍ يتطلب استثمارات ضخمة لتلبية احتياجات المستهلكين في المدن والمناطق الريفية،
كما أن تخطيط المدن يتأثر، حيث يلزم توفير مساحات مناسبة لشحن المركبات، مما يضيف تحديات على خطط التنمية الحضرية.
شركات متضررة وخسائر بالمليارات
في عام 2024، واجهت العديد من الشركات الكبرى في صناعة السيارات صعوبة كبيرة في تحقيق الأرباح من السيارات الكهربائية رغم استثماراتها الضخمة في هذا القطاع. من أبرز هذه الشركات شركة فورد، التي كانت قد قفزت إلى مقدمة السباق مع إطلاق موديلات مثل موستانج ماك E وF-150 لايتنينج، ولكنها تكبدت خسائر ضخمة تجاوزت 3.7 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2024. بالرغم من زيادة الإيرادات بنسبة 5% في الربع الثالث، إلا أن قسم السيارات الكهربائية في فورد تكبد خسارة تقدر بـ1.2 مليار دولار خلال الربع الثالث فقط، بسبب ارتفاع التكاليف وتراجع الطلب بعد فترة من النجاح الأولي.
على النقيض، بدأت شركة جنرال موتورز، التي تبنت استراتيجية أبطأ وأكثر حذرًا في الاستثمار في السيارات الكهربائية، ترى نتائج إيجابية بعد سنوات من العمل على تطوير بطاريات موحدة ومصانع جديدة. في الربع الثالث من عام 2024، أعلنت جي إم عن أرباح بلغت 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي أرباحها السنوية إلى أكثر من 10 مليارات دولار. وذلك بفضل استراتيجيتها في استخدام نفس البطاريات في مجموعة من الموديلات التي شملت شفروليه بولت وكاديلاك وغيرها، ما ساعد في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
وفي إطار الأزمة، أعلنت فولكس فاجن في أكتوبر 2024 عن خطط لإغلاق ثلاث مصانع لها في ألمانيا، وهو أول قرار من نوعه في تاريخ الشركة الذي يمتد لـ87 عامًا. يأتي هذا القرار في وقت يعاني فيه قطاع السيارات الألماني من ضغوط اقتصادية كبيرة، حيث تراجعت مبيعات فولكس فاجن في الصين بنسبة 20% في النصف الأول من 2024، مما جعل الشركة تضطر لتقليص عملياتها وتقليص عدد الوظائف، وهو ما قد يؤثر على عشرات الآلاف من الموظفين. هذه الخسائر تتزامن مع تباطؤ الشركة في التكيف مع التحول نحو السيارات الكهربائية مقارنة بمنافسيها مثل تيسلا وبايدو الصيني
بجانب إعلان شركة هيرتز عملاق تأجير السيارات الأمريكي عن خسارتها 2 مليار دولار، 65% منهم خلال الربع الثالث من العام الجاري فقط، وذلك نتيجة تحديات مثل ارتفاع تكاليف الصيانة، انخفاض الطلب، وتراجع القيمة السوقية لسياراتها الكهربائية.
من جهة أخرى، واجهت دودج ولوسيد تحديات كبيرة في محاولاتها لدخول السوق الكهربائية، خاصة مع الزيادة في التنافس وارتفاع تكاليف التصنيع.
إجمالًا، تتفاوت الشركات في قدرتها على التكيف مع السوق الكهربائية، ولكن معظمها، باستثناء تيسلا، يعاني من صعوبة في تحقيق الأرباح حتى مع تسارع وتيرة التحول إلى هذه التكنولوجيا.
تسلا والصين أكبر المستفيدين
على الرغم من الأزمة التي تواجهها العديد من الشركات في صناعة السيارات الكهربائية، فإن بعض الشركات، مثل تسلا وبعض العلامات الصينية، أظهرت نجاحًا ملحوظًا في تحقيق أرباح قوية خلال نفس الفترة. تسلا، على سبيل المثال، تضاعفت أرباحها الصافية في عام 2023 لتصل إلى 12.6 مليار دولار، بفضل هوامش الربح العالية التي تصل إلى حوالي 25.7% لكل سيارة مباعة، وهو ما يعزز مكانتها كشركة رائدة عالميًا في مجال السيارات الكهربائية.
من جهة أخرى، الشركات الصينية مثل بي واي دي، نيو، ولي أوتو تواصل تحقيق نمو كبير في المبيعات. على سبيل المثال، سجلت BYD زيادة بنسبة 46% في مبيعات شهر مارس 2024 مقارنة بالعام السابق، حيث باعت أكثر من 300,000 سيارة في شهر واحد. كما شهدت لي أوتو ونيو زيادات ملحوظة في مبيعاتهما، ما يعزز مكانة الصين كمركز رئيسي للتطور في مجال السيارات الكهربائية.
هذا النجاح يعود إلى استراتيجيات فعالة في التحكم بالتكاليف، الابتكار التكنولوجي، وزيادة الطلب في الأسواق المحلية والعالمية، مما يجعل هذه الشركات قادرة على المنافسة حتى في ظل التحديات الاقتصادية واللوجستية.
البدائل
في ظل تسارع سوق السيارات الكهربائية، هناك شركات كبيرة مثل تويوتا وهيونداي التي بدأت في استكشاف بدائل للسيارات الكهربائية التقليدية، وخاصة تكنولوجيا خلايا الوقود الهيدروجيني، وقد قامت كل من تويوتا وهيونداي باستثمارات ضخمة في سيارات الهيدروجين، حيث يعتبرونها جزءًا أساسيًا من المستقبل الخالي من الانبعاثات جنبًا إلى جنب مع السيارات الكهربائية.
تعتبر تويوتا من رواد هذه التكنولوجيا، حيث قدمت أول سيارة هيدروجينية “ميرا” في 2014، ولديها خطط طموحة لبيع أكثر من 300,000 سيارة هيدروجينية بحلول 2030. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت تويوتا في تطوير بنية تحتية للوقود الهيدروجيني، بما في ذلك إنشاء منشأة لخلايا الوقود في بكين. وتؤمن الشركة أن السيارات الهيدروجينية ستكون شريكًا مكملًا للسيارات الكهربائية، خاصة في النقل الثقيل وبعض السيارات الخفيفة.
أما هيونداي فقد قدمت أول سيارة هيدروجينية لها “توكسون FCEV” في 2013، ثم تبعتها بسيارة “نكسو” كجيل ثاني من السيارات الهيدروجينية. واستمرارًا في هذا الاتجاه، كشفت هيونداي مؤخرًا عن مفهوم سيارة “INITIUM” الهيدروجينية. وتواصل هيونداي جهودها لزيادة انتشار تكنولوجيا الهيدروجين بالتعاون مع تويوتا، حيث ناقشت الشركات توسيع جهودهم في مجال التنقل الهيدروجيني.
تأتي هذه الجهود في وقت لا يزال فيه سوق السيارات الهيدروجينية يواجه تحديات كبيرة مثل محدودية البنية التحتية وارتفاع التكاليف. ومع ذلك، تستمر تويوتا وهيونداي في إظهار التزامهما بتكنولوجيا الهيدروجين كحل ضروري جنبًا إلى جنب مع السيارات الكهربائية، خصوصًا في المناطق التي قد يتأخر فيها تطوير البنية التحتية للسيارات الكهربائية.
مستقبل السيارات الكهربائية: هل يستحق المجازفة؟
على الرغم من التحديات، يبقى مستقبل السيارات الكهربائية واعدًا بفضل الابتكارات المستمرة وتحسن تقنيات البطاريات. ومع ذلك، تحتاج الصناعة إلى حلول متكاملة لمشاكل التكلفة، البنية التحتية، والموثوقية لتجنب المزيد من الخسائر.
اقرأ أيضاََ: عملاق التأجير الأمريكي “هيرتز” يخسر 2 مليار دولار بسبب التحول للسيارات الكهربائية