المصدر: موقع الطاقة
يشهد الطلب على البنزين في أوروبا انتعاشًا، على الرغم من انتشار السيارات الكهربائية في أنحاء القارة، ويُلاحَظ ذلك في أنشطة المحطات التقليدية التي تزود محرّكات الاحتراق الداخلي بالوقود الأحفوري، ويعتمد الأمر على سلوك المستهلكين الذي يدعم ازدهار الوقود لبعض الوقت.
في المقابل، تزدهر الأعمال في أحد أفضل مراكز شحن السيارات الكهربائية في ضاحية هامرسميث الغربية بالعاصمة البريطانية لندن، المملوكة لشركة النفط البريطانية “بي بي”، إذ يشهد المركز حركة نشطة لسيارات تيسلا ومنافساتها، بحسب كاتب مقالات شؤون الطاقة والسلع لدى وكالة بلومبرغ (bloomberg)، خافيير بلاس.
ويرى بعض المحللين أنه ربما ليس للبنزين مستقبل، لكن حاضره صحي إلى حد ما، ويمكن إلقاء اللوم على واقع السيارات والنفط غير المتوازن في أوروبا، إذ تتصادم الاتجاهات القديمة والجديدة بطرق مخالفة للتوقعات، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
الطلب على البنزين في أوروبا
كان الطلب على البنزين، في المملكة المتحدة، هو الأقوى خلال المدة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران من هذا العام منذ عام 2015، وفقًا لحسابات بلومبرغ بناءً على بيانات حكومية.
وفي فرنسا، وصل الطلب على البنزين إلى أعلى مستوياته منذ 20 عامًا خلال فصل الصيف، وفي إسبانيا، ارتفع إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقد، وفي دول أوروبا الشرقية مثل بولندا، يشهد الطلب على البنزين أقوى أوقاته على الإطلاق.
وبعد اتجاه هبوطي طويل، بدأ استهلاك البنزين في الارتفاع في بعض الدول الأوروبية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تحول السائقين عن سيارات الديزل.
الإنفوغرافيك التالي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة يستعرض استهلاك البنزين في أوروبا خلال 2022:
أسواق السيارات والنفط في أوروبا
يقول خافيير بلاس: “يتعيّن على المرء أن يدرس تفاصيل أسواق السيارات والنفط في أوروبا، التي تغيّرت إلى حد لا يمكن التعرف عليه منذ عام 2015، وكيف يقود المستهلكون تلك السيارات”.
ولبعض الوقت، كان الطلب على البنزين في أوروبا يتراجع عامًا تِلْوَ الآخر، مع افتراض المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط أن الاستهلاك سينخفض بنسبة تتراوح بين 1% و2% سنويًا، مدفوعًا بعامليْن: زيادة كفاءة المحركات وظهور المركبات التي تعمل بالديزل، خصوصًا في ألمانيا وفرنسا.
وقد تغيّر الاتجاه منذ نحو 10 سنوات، واستقر استعمال البنزين، ثم بدأ في الارتفاع، واستنادًا إلى البيانات الأولية، يبدو أن استهلاك البنزين في الاتحاد الأوروبي قد وصل هذا الصيف إلى أعلى مستوياته منذ 10 سنوات.
ويرى كاتب مقالات شؤون الطاقة والسلع لدى وكالة بلومبرغ، خافيير بلاس، أن التحول من الهبوط إلى الاستقرار ثم الارتفاع له علاقة كبيرة بواحدة من أكبر فضائح الأعمال في الذاكرة الحديثة.
في عام 2015، اعترفت شركة فولكس فاغن، شركة صناعة السيارات الألمانية المرتبطة بمَركبات الديزل، بأن محركاتها تلوث أكثر مما أعلنته الشركة على الإطلاق.
وأدت الفضيحة، التي أطلق عليها اسم “ديزل غيت”، إلى إضعاف شهية الأوروبيين للوقود الأرخص ثمنًا ولكنه الأكثر تلويثًا، وأصبح البنزين هو الاختيار بالنسبة إلى الكثيرين في القارة، ما أدى إلى زيادة الطلب، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي الوقت نفسه، كان الأوروبيون يحتفظون بسياراتهم لمدة أطول كثيرًا مما كانوا عليه في الماضي، الأمر الذي أدى إلى إضعاف تأثير الطرازات الأحدث والأكثر كفاءة في استهلاك الوقود إجماليًا.
وتمثّل التكلفة أحد الأسباب، إذ إن السيارات الجديدة باهظة الثمن، والعائلات أكثر وعيًا بالموازنة.
وكان السبب الآخر هو العرض، مع عدد أقل من الطرازات الجديدة بسبب نقص الرقائق، إذ يُضاف إلى ذلك أن السيارات اليوم تُصنّع بصورة أفضل، وبالتالي تصبح أكثر تطورًا مما كانت عليه قبل عقد أو عقدين من الزمن.
لذلك، يخشى المستهلكون اختيار النوع الخاطئ من السيارات وسط التقدم السريع في تكنولوجيا البطاريات، ويختارون تأخير مشترياتهم لأطول مدة ممكنة.
ونتيجة لهذه الاتجاهات مجتمعة أصبح أسطول السيارات أقدم، ففي عام 2006، كان متوسط عمر السيارة الأوروبية 8.4 سنة، وأصبح العدد، اليوم، أكثر من 12 سنة.
السيارات الأقدم والأقل كفاءة
من خلال الاستفادة من السيارات المصنعة بصورة أفضل، أصبح الأوروبيون يستعملون على نحو متزايد سيارات قديمة، الأمر الذي أدى إلى إضعاف التحسن في كفاءة استهلاك الوقود في الطرازات الجديدة.
في المقابل، يوجد المزيد من السيارات على الطرق الأوروبية، فعلى مدى العقد الماضي، ارتفع عدد السيارات بنحو 40 مليونًا، ليصل إلى ما يقرب من 250 مليونًا في عام 2022.
وعلى الرغم من أن السيارات الكهربائية كانت تستحوذ على حصة أكبر تدريجيًا من الاكتتابات الجديدة، فإن الزيادة الإجمالية تعني أن العدد المطلق للسيارات التي تعمل بالبنزين ما يزال قائمًا.
وهنا تبرز أهمية الطريقة التي يقود بها الأوروبيون سياراتهم ويزودونها بالوقود، إذ تُظهر حقبة ما بعد كوفيد-19 اتجاهات متناقضة، وأدى العمل من المنزل إلى تقليل التنقل من الضواحي إلى وسط المدينة.
وفي الولايات المتحدة، أدى الاتجاه إلى الحد من الأميال المقطوعة، ولكن في أوروبا، حيث شبكات النقل العام أقوى، لم يؤد ذلك إلى تآكل الطلب على الوقود بالقدر نفسه.
ومن ناحية أخرى، أتاح العمل عن بعد العيش في الريف، ما جعل السيارات حاجة يومية، وليس ضرورة في عطلة نهاية الأسبوع.
يُضاف إلى ذلك، حاليًا، الرغبة في قضاء العطلات والسفر بعد الوباء، ففي استطلاعات الرأي، يقول معظم الأوروبيين إن تغير المناخ هو أحد أكبر مخاوفهم، وكان هذا القلق غائبًا في الغالب على طرق القارة هذا الصيف، مع ازدحام الطرق السريعة المؤدية إلى الشواطئ.
من المفارقات الغريبة أن التحول نحو السيارات الصديقة للبيئة ربما يؤدي إلى تصاعد الطلب على البنزين، لأن السيارات الكهربائية ليست متشابهة، ويُشغل بعضها فقط بوساطة بطاريتها، ويُعدّ البعض الآخر سيارات هجينة تعمل بالكهرباء، وتحتوي على محرك احتراق داخلي لرفد بطاريتها.
وتكمن المشكلة في أنه من الواضح أن بعض المستهلكين لا يستعملون هذه المَرْكبات، وإنما يقودون سيارات البنزين إلى حد كبير.
ويشير المحللون إلى أن الطلب على البنزين سوف ينخفض عند استبدال الناس سيارات تعمل بالبطاريات بسياراتهم التي تعمل بالوقود الأحفوري، وفي حال انخفضت تكلفة السيارات الكهربائية، يمكن أن يكون التحول سريعًا.
ويشير الارتفاع الحالي في الاستهلاك إلى أن الرسوم البيانية التي تستعرضها الحكومات في كثير من الأحيان لتراجع استعمال النفط، في الوقت الراهن، تُعدّ صورًا مضللة.