Independent Arabia:المصدر
بعد أن كان النفط يشكل العمود الفقري لاقتصاد السعودية لعقود، تأتي السيارات الكهربائية لترسم مساراً جديداً نحو تحقيق التنوع الاقتصادي (صندوق الاستثمارات العامة)
في بلد يعتمد على الطاقة الأحفورية، إذ تسيطر السيارات التقليدية على الطرقات منذ سنوات طويلة، بدأت المركبات الكهربائية الصديقة للبيئة في الظهور في السعودية، حاملة شعار “النفط ليس كل شيء”. وقد يؤدي انتشار المركبات الكهربائية إلى تقليص هيمنة المحركات التي تعمل بالوقود التقليدي على شوارع البلاد، بفضل تقنياتها المتقدمة وانبعاثاتها الصفرية. بعد أن كان النفط يشكل العمود الفقري لاقتصاد السعودية لعقود، تأتي السيارات الكهربائية لترسم مساراً جديداً نحو تحقيق التنوع الاقتصادي، ومع ذلك، وبسبب محدودية التجهيزات الداعمة، لا تزال السيارات الكهربائية خياراً ثانوياً في المدن، إذ لا توجد حالياً شبكة كافية من محطات الشحن العامة.هذه التحديات تعرقل سرعة انتشار هذه التقنية الواعدة، إلا أن الجهود المكثفة من الجهات المسؤولة لتحفيز هذا التحول تشير إلى آفاق مستقبلية واعدة في القريب العاجل.
تبني المركبات الكهربائية
وفي دراسة حديثة نشرتها مجلة “ساينس دايركت” العلمية في مايو (أيار) الماضي بعنوان “استكشاف محددات تبني المركبات الكهربائية في الرياض”، كشفت النتائج عن أن توفير تجهيزات متكاملة لمحطات الشحن، إلى جانب حوافز غير مالية مثل تخصيص مواقف خاصة للمركبات الكهربائية، يعززان بصورة ملحوظة احتمالية تبني هذه التقنية من قبل المستهلكين في العاصمة.وأوضحت الدراسة أن السعوديين كانوا أقل ميلاً لشراء السيارات الكهربائية مقارنة بالجنسيات الأخرى، في حين أبدت النساء والأفراد في الفئة العمرية الأربعينية اهتماماً أكبر بهذا الخيار. وأشارت الدراسة إلى أن عوامل أخرى مثل طول مدة الرحلة والعلاقات الشخصية مع مالكي السيارات الكهربائية لها تأثير إيجابي في معدلات تبني هذه التقنية في الرياض، مؤكدة أن نحو 60 في المئة من المستهلكين المستهدفين أبدوا نية لشراء سيارة جديدة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، مما يعد فرصة لتطبيق سياسات تحفيزية قبل إتمام هذه الشراءات.
التحول المستدام
في إطار جهودها نحو التحول المستدام، أعلنت شركة “لوسيد” الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية عن تحقيق تقدم ملموس في تطوير البنية التحتية الخاصة بها لشحن السيارات الكهربائية في السعودية.
وفي تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أكد مصدر بالشركة أنها تعمل بصورة استراتيجية على توسيع شبكة محطات الشحن السريع، بالتعاون مع شركة “البنية التحتية للسيارات الكهربائية” (EVIQ) وشركة “نقطة تحول” (Turning Point) للطاقة المتجددة، بهدف تعزيز انتشار السيارات الكهربائية في البلاد.وأشار مصدر الشركة إلى المبادرات المحلية بقيادة الصندوق السيادي السعودي (PIF) القطاع الخاص مثل شركة “إلكترومين” (Electromin) التي تلعب دوراً محورياً في دفع عجلة التحول إلى “الكهربة” وتطوير التجهيزات ذات الصلة في جميع أنحاء البلاد.
ولا تقف المساعي عند هذا الحد، إذ تخطط شركة “البنية التحتية للسيارات الكهربائية” لتنفيذ المشروع المشترك مع الصندوق السعودي للاستثمار و”الشركة السعودية للكهرباء”، لتركيب أكثر من 5 آلاف محطة شحن سريعة بحلول عام 2030، إذ سيمهد الطريق أمام انتشار واسع للسيارات الكهربائية، وفقاً لـمصدر “لوسيد”.
وفي توجه مماثل، أكدت “لوسيد” أن شركة “البنية التحتية للسيارات الكهربائية” تعمل بالتعاون مع مجموعة “روشن العقارية” (ROSHN) لتسريع تبني السيارات الكهربائية وتطوير حلول البنية التحتية المخصصة في السعودية للانتقال إلى النقل الكهربائي على المستوى الإقليمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحديات لا مفر منها
وتواجه السيارات الكهربائية في ظل الظروف المناخية الحارة وقلة التجهيزات بعض التحديات التي قد تؤثر في أدائها وانتشارها بالسعودية، وأوضحت شركة “لوسيد” أن درجات الحرارة المرتفعة هي أحد أهم هذه التحديات، إذ يمكن أن تقلل من كفاءة البطاريات وعمرها الافتراضي، ولذلك صممنا أنظمة تبريد بطارية متطورة لضمان الأداء المثالي حتى في الظروف الجوية القاسية.
وأشارت “لوسيد” إلى أن البنية التحتية للشحن تمثل تحدياً رئيساً، بخاصة بسبب المساحة الشاسعة للمملكة، ولمواجهة هذه المشكلة، أوضحت أنها تعمل على توسيع شبكة محطات الشحن بالتعاون مع شركاء محليين لتركيب محطات شحن فائقة السرعة، مما سيؤدي إلى تقليل أوقات الشحن بصورة كبيرة، ويجعل السفر لمسافات طويلة باستخدام السيارات الكهربائية أكثر فاعلية وقابلية للتنفيذ.
وأوضح المصدر أن “لوسيد” تدرك النقص الحالي في فنيي الصيانة والإصلاح المتخصصين في السيارات الكهربائية، ولذلك أطلقت برامج تدريبية بالتعاون مع المؤسسات التعليمية المحلية بهدف تحسين جودة الخدمة وخلق فرص عمل جديدة في هذا المجال، كما أشارت الشركة إلى خططها لإنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030، بدعم استثمارات كبيرة تصل إلى 50 مليار دولار.
وبخصوص الارتفاع الكبير في أسعار السيارات الكهربائية، أوضحت الشركة أن الكلفة الأولية قد تكون عائقاً لبعض المشترين، إلا أنها تقدم وفورات كبيرة على المدى الطويل بفضل انخفاض كلفة التشغيل والصيانة مقارنة بالسيارات التقليدية.
مرحلة أولية
ولا تزال صناعة السيارات الكهربائية في مرحلتها الأولى، ولكن من المتوقع أن تشهد توسعاً كبيراً في السنوات المقبلة، وفق “لوسيد”، التي أشادت بالحماس الذي يبديه عملاء المنطقة للحصول على أفضل طرز السيارات الكهربائية.
وتعول شركة السيارات الكهربائية على حجم السوق السعودية إذ تتمتع السعودية بموقع استراتيجي فريد، إذ تقع عند تقاطع ثلاث قارات، وتربطها طرق سريعة بأكثر من 40 سوقاً نامية سريعاً في غضون أربع ساعات، وأكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم في غضون ست ساعات، ونصف سكان العالم في غضون سبع ساعات.
ووفق “رؤية 2030” تلتزم السعودية جعل البلاد مركزاً إقليمياً رائداً في صناعة السيارات الكهربائية، من خلال استثمارات استراتيجية مصممة لتعزيز إمكاناتها لخدمة الأسواق المحلية والدولية، مما يجعلها الموقع المثالي للتوسع والاستثمار كمركز للتصنيع والشحن في المنطقة.
تحديات كبيرة
على رغم التقدم الملحوظ في سوق السيارات الكهربائية في السعودية فإن انتشارها ما زال يواجه تحديات كبيرة، وفق المتخصص في السيارات عبدالرحمن الخالدي في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، الذي أوضح أن التحدي الأكبر يكمن في التجهيزات الخاصة، إذ لا تزال المملكة في مرحلة تطوير شبكات محطات الشحن وربطها بمحطات الوقود، مما يمثل العائق الرئيس أمام الانتشار الواسع للسيارات الكهربائية.
وأشار الخالدي إلى صعوبة المقارنة بين السيارات التقليدية والكهربائية حالياً، نظراً إلى قلة عدد مستخدمي السيارات الكهربائية، وهو ما يجعل من الصعب تقييم الأفضلية من جهة الكلفة والميزات.
وبخصوص التحديات الفنية، ذكر الخالدي أن هناك نقصاً في المراكز المتخصصة في صيانة السيارات الكهربائية، وتخوف المستخدمين من ارتفاع درجات الحرارة على هذه السيارات، إضافة إلى “محدودية المدى الذي تستطيع السيارات الكهربائية السفر به في المملكة نظراً إلى مساحتها الشاسعة”، لافتاً إلى نقص مراكز الصيانة ومخاوف المستخدمين في شأن تأثير درجات الحرارة المرتفعة في أداء هذه السيارات.
ونوه المتحدث بمحدودية المسافة التي يمكن أن تقطعها السيارات الكهربائية داخل البلاد، نظراً إلى مساحتها الشاسعة، مما يتطلب قدرات أكبر للسفر لمسافات طويلة.
وفي ظل التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية كبديل صديق للبيئة، يروي عبدالله السبع وهو أحد مستخدمي السيارات الكهربائية، تجربته في قيادتها داخل العاصمة السعودية، واصفاً إياها بـ”ناجحة إلى حد ما”، إذ أبدى إعجابه بالتقنيات المتطورة، لكنه أشار إلى تحديات الشحن، بخاصة عند السفر خارج المدن الكبرى، بسبب قلة محطات الشحن.
وأوضح السبع أن السيارات الكهربائية تحتاج إلى صيانة أقل مقارنة بالتقليدية، إذ لم يحتج سوى تغيير البطارية والفلتر خلال ثلاث سنوات، لافتاً إلى ظهور ورش متخصصة في الرياض.وختم السبع حديثه “إذا استخدمت داخل الرياض أو المدن الأخرى فهي خيار جيد، لكن يجب حساب ’المشاوير‘ بصورة جيدة، لأن محطات الشحن لا تزال نادرة جداً، إضافة إلى أن الإنفاق عليها خلال الصيف يكون أعلى من الشتاء بسبب درجات الحرارة العالية واستخدام المكيف”.